هناك خلط بين أحد جوانب تكنولوجـيا التعليم المتمثل في استخدام الآلات والأجهزة التعليمية وبين تكنولوجـيا التعليم ذاتها، فما زلنا نرى استخدام مصطـلح الوسـائل التعليمية والوسـائل السمـعية والبصـرية عند الإشـارة إلى تكنولوجـيا التعليم والعكـس أيضـاً، وهنا نجد أن تكنولوجـيا التعليم تنحصـر في حدود ضـيقة لا تتعدى كونها وسـائل تعليمية، مع العلم أن تكنولوجيا التعليم ليست مرادفه للوسائل التعليمية حيث أن الوسائل التعليمي تعتبر جزء من تكنولوجيا التعليم.

وهناك خلط أيضاً بين تكنولوجيا التعليم وتكنولوجيا المعلومات، مع العلم أيضاً أن تكنولوجيا التعليم ليست هي تكنولوجيا المعلومات حيث أن تكنولوجيا المعلومات جزء من تكنولوجيا التعليم.

ولذلك فإنه من الضروري إلقـاء الضـوء على مراحـل تطور مفهوم تكنولوجـيا التعليم عبر السنوات الماضـية لنرى هل بدأت ملامح هذا المفهوم تتحدد وتتضح؟ أم مازال هناك تداخـل بيـنه وبين مفهوم الوسـائل التعليمية، وبينه وبين تكنولوجيا المعلومات ؟

وبداية ليس هناك اتفـاق تام حول بداية تكنولوجـيا التعليم (Instructional Technology) فالبعض يرى أنها تعود إلى عصـر علماء اليونان، والبعض يرى أنها تعود إلى بدايات القرن العشـرين، وإذا أخذنا بالرأي الثاني نجد أن هذا المفهوم قد مر بالمراحـل التالية:

حركـة التعليم البصـري: (Visual Instruction)

 أشـار فان عام 1967م إلى أن بدايـة التعليم البصـري كانت في العشـرينات من القرن العشـرين، وهذه حركـة تعتبر بدايـة تكنولوجـيا التعليم وكـان مفهوم التعليم البصـري أو التعليم القائم على حاسـة البصـر يعتمد على استخدام المواد البصـرية في التعليم بهدف تحويـل المفـاهيم المجـردة إلى أشـياء ملموسـة. وأكدت هذه الحركـة على أهمـية جعل الوسـائل البصـرية عنصراً من عناصر المنهج، ولكن تم استخدام هذه الوسـائل كمعينات تدريـس / معينات بصـرية تعين المعلم على أداء مهمته.

حركة التعليم السمـعي البصري: (Audio – Visual Instruction)

 ومع تطـور العلوم تم الاهتمام بحـاسـة السمع ونتج عن ذلك إضـافة عنصـر الصـوت إلى الأجهـزة والمواد التعليمية فظـهرت الأفلام المتحـركة الناطـقة وشـرائط الفيديو، ومن هنا ظـهر مفهوم التعليم السـمعي البصـري أو الوسـائل السمـعية البصـرية، وظـل الاهتمام بفكـرة المحسـوسات أي التعلم باللمـس والحـس، ومن أوضـح الأمـثلة على ذلك مخروط الخبرة الذي قدمـه Edgar Dale في الخمسـينات 1954م.

مفهوم الاتصـال : (communication concept)

    شـهدت هذه المرحـلة تطـوراً كـبيراً في مفـاهيم الاتصـال وتم إدخـالها في مجال التعليم، مما كان له الأثـر الكـبير في إيضـاح الأسـس النظـرية لتكنولوجيا التعليم حيث يعتبر الاتصـال من أبرز الأسس النظـرية لمجـال تكنولوجـيا التعليم.

ولقد استفـادت تكنولوجـيا التعليم من مجال الاتصـال حيث أُدخـلت بعض المفـاهيم مثل : مفهوم العملية، ومفهوم النمـاذج. والاتصـال عملية لها مكوناتها الأسـاسـية التي لا يمكـن الاستغنـاء عن أي منها (مرسـل، مسـتقبل، قـناة إتصال، رسـالة)، فالرسالة على سـبيل المثـال في عملية الاتصال ليسـت من الكمـاليات بل من أسـاسيات هذه العملية ولا يمكـن حذفها.

وتمشـياً مع هذا الاتجـاه ظـهر مسـمى جديد وهو وسـائل الاتصـال/ وسـائل الاتصال التعليمية وتم اعتبـر عناصر عملية الاتصـال مكونات في مجال تكنولوجيا التعليم.

بداية ظهور مفهوم النظم: (System Concept)

خلال الاهتمام بعملية الاتصال, بدأت ظهور المفاهيم المبكرة للنظم في مجال تكنولوجيا التعليم والتي أكدت على أن الوسائل السمعية البصرية ليست الوحيدة الأساسية في تكنولوجيا التعليم, بل من الضروري وجود نظم تعليمية, إلا أن هذا الاتجاه قد ركز على المنتجات وليس العملية.

حركة العلوم السلوكية: (Behavioral Sciences)

كان للعلوم السلوكية تأثير على تكنولوجيا التعليم وبدا ذلك واضحاً بنظرية سكينر Skinner للتعزيز الفوري وتطبيقاتها في التعليم المبرمج في بداية الستينات, فلقد أدت إلى نمو الإطار النظري لتكنولوجيا التعليم والذي يتضح في:

  • التحول من التركيز على المثير المتمثل في الرسالة إلى التركيز على سلوك المتعلم.
  • التحول من استخدام الآلة أثناء التدريس إلى استخدامها في تعزيز سلوك المتعلم المرغوب فيه.
  • تقويم المتعلم بناءاً على ما يحققه من أهداف سلوكية.

    تصميم التعليم: (Instructional Design)

    مع استخدام الأجهزة السمعية البصرية في العملية التعليمية مثل أجهزة الفيديو, كانت هناك الحاجة إلى إعداد برامج تعليمية لاستخدامها مع هذه الأجهزة, فظهر ما يسمى بالمواد التعليمية التي تحمل وتخزن المحتوى التعليمي كشرائط الفيديو والأفلام.

    ومع تطور مبادئ التعليم المبرمج كنتيجة لظهور الفكر السلوكي, ونظريات التعلم, سميت عملية إعداد البرامج والمواد التعليمية باسم تصميم التعليم (Instructional Design), وهنا بدأ يتضح أن مجال تكنولوجيا التعليم أكثر شمولاً واتساعاً من ميدان الوسائل التعليمية, حيث أن تكنولوجيا التعليم تتناول ميدان التصميم التعليمي بأوسع معانيه, ويعتبر التصميم التعليمي محوراً رئيساً لمجال تكنولوجيا التعليم حيث بدأ التصميم التعليمي بالاهتمام بتحديد السلوك المدخلي للمتعلم, وتحديد خصائص المتعلمين, وتحديد الأهداف التعليمية, وتحليل المحتوى... الخ, وبدأ في تبنى مفاهيم جديدة مثل إعداد برامج ومواد تعليمية لا تعتمد على استخدام أجهزة لعرضها.

    مدخل النظم: (System Approach)

    في بداية السبعينات, بدأ الاتجاه الحديث لتعريف تكنولوجيا التعليم على أنها أسلوب منظم مما دعم مفهوم مدخل النظم, فأصبح يُنظر إلى تكنولوجيا التعليم كأسلوب نظم في تصميم النظام التعليمي وتنفيذه وتقويمه وتطويره بغرض تحسينه. فأصبح الاهتمام بكامل عناصر هذا النظام, وبدأت النظرة إلى مدخل النظم من مفهوم العملية (Process) بدلا من مفهوم المنتجات (products) فتم التأكيد على أن تكنولوجيا التعليم عبارة عن عملية وليست أدوات ووسائل, وعلى أهمية استخدام نظم تعليمية كاملة بينها علاقات تبادلية وتكاملية وتأثير وتأثر.

    وبالتالي أصبحت النظرة إلى العملية التعليمية بأنها منظومة: (منظومة العملية التعليمية) وكذلك إلى تكنولوجيا التعليم (منظومة تكنولوجيا التعليم) وعرفت بأنها طريقة نظامية لتصميم وتنفيذ وتقويم العملية التعليمية في ضوء أهداف محددة, وعلى أساس نتائج البحوث في علوم الاتصال والتعلم الإنساني, وذلك باستخدام مجموعة متآلفة من المصادر البشرية وغير البشرية للوصول إلى تعليم أكثر فاعلية.

    التطوير التعليمي: (Instructional Development)

    وفي بداية السبعينات أيضا, ظهر مفهوم التطوير التعليمي الذي يؤكد على أهمية مفهوم مدخل النظم فيما يتعلق بعمليات تصميم وتنفيذ وتقويم وتطوير عملية التعليم.

    ويتضح مما سبق أن تكنولوجيا التعليم استمدت أصولها وأسسها النظرية من مجموعة من الحركات والنظريات والميادين التي أدت إلى تشكيل الأطر النظرية لمنظومة تكنولوجيا التعليم.

    وتحدد رابطة الاتصالات التربوية والتكنولوجيا (AECT) أن الأصول والأسس النظرية لمنظومة تكنولوجيا التعليم تقوم على:

    • حركة التعليم السمعي البصري.
    • نظريات الاتصال.
    • نظريات التعلم الإنساني.
    • مدخل النظم.
    •   تفريد التعليم.
      المراجع